قتلوا في هذا اليوم صديقي
حيدر محمد الوائلي
في تفجيرات الحلة، وعند طلوع الصبح...
كانت حمامات بيضاء تسبح طائرة وسط سماءٍ زرقاء...
كم هو جميلُ هذا المنظر الهادئ والذي يبعث على السلام والطمأنينة قل نظيرها في أرض العراق...
فقط السماء لم يمسسها سوءاً وفساداً في أرض العراق التي امتلأت دماً وجرحاً على طول الخريطة بساطٍ ممتد من جثث الضحايا مطروحة على أديم الأرض من هذه الأجساد...
أرضٌ أفسد فيها سياسيين ومسؤولين ودول جوار واحتلال وبقايا نظام سابق ومما كسبت حراماً وسحتاً أيديهم وجروا معهم أيدي الناس (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس)...
صباح الخير كانت التحية لتعطي أملاً ضئيلاً بخير وسط زحام البؤس والسوء...
صباح الخير...!!
ها !! يا هذا أي خيرٍ ترجوه في هذا الصباح...
تفجيرٌ أبى إلا أن يفسد فرحة اليوم التعيس الذي فيه الفرحة والراحة نادرة من النوادر فأبى التفجير إلا أن يكدرها تماماً...
وجاء النذير عقب التفجير...
لقد قتلوا محمداً...
ومحمد هذا صديقي عشت معه.. ياما وياما ضحكنا وتمازحنا معاً.. أكلنا الزاد معاً فصارت عشرتنا زاداً وملح...
لم نكفر بصداقتنا ونخونها كما يفعل اليوم بعض السياسيين والمسؤولين ورجال الدين والأحزاب فيما بينهم...
صاح النذير بصوتٍ كدوي صوت التفجير أن أسكت فمحمد قد مات...
يا هذا التفجير من أنت لتقتل صديقي...!!
قال التفجير ومن صديقك محمد هذا كي أعير له إهتماماً وأقتله؟!
ففهمت على الفور أن قصد التفجير الذي كان بأسم الله ومحمد الرسول (ص) الذي يفهموه على طريقتهم ليقتلوا الله ومحمد الرسول الحقيقي (ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون)...
كان قصد التفجير الذي سهّل حصوله ومهد له الفاسدين من سياسيي العراق ومسؤوليه ودول الجوار والأحتلال وبقايا النظام السابق أن يصبح ويمسي في أرض العراق...
كان قصده أن يقول قد مات محمد الرسول الذي أرسله الله رحمة وهدى ونور وطمأنينة وسلام للبشرية...
أراد القول بأن في التفجير محمد الرسول (ص) قد مات...
ولكن صديقي محمد مات فيه أيضاً...
ماتوا سوية إذاً.. رسالة محمد (ص) وصديقي محمد...
في هذا اليوم والأيام دول (وتلك الأيام نداولها بين الناس) لكي يعوا ويفهموا ويعرفوا ولكن يأبى الغبي ألا أن يكرر خطئه كل يوم...
في مطعم (حسّان) في (بابل)...
كان محمد يتناول طعام الفطور بما رزقه الله من مالٍ قليل لا يساوي معشار معشار ما سرقته السياسة من خيرات العراق...
كان أعزباً فلا طاقة له بتكاليف الزواج، ومن أين له بمالٍ للزواج...
انتهى من الفطور ودلف لباب المطعم حيث كشك الشاي الساخن ورائحة الهيل تفوح منه بعطرٍ أجمل من العطور المريبة التي تفوح من الغرف المغلقة في دهاليز سياسيي العراق ومسؤوليه...
أن أسكب لي يا صاحب الشاي قدحاً من شايٍ يعدل المخ الذي أشغلته وأتعبته وأوجعته صراعات السياسيين وفسادهم...
سكب الشاي وبلحظة موسيقى هادئة لطقطقة الملعقة في قدح الشاي تدوره وتفوح من القدح رائحة أزكى من رائحة القصور الرئاسية والمباني الحكومية الفخمة...
في تلك اللحظة دوى الانفجار أن يا محمد سيرتاح مخك للأبد...
أن يا محمد كف التفكير فستذهب لربٍ لا فساد عنده ولا ظلم وغبن وقتل كما يحصل في العراق...
لقد استنكروا يا محمد في وسائل الأعلام قتلك...
وياما كنا نضحك على عبارات الاستنكار البائسة والفارغة تلك التي سئمنا صدورها منهم...
وداعاً يا محمد وكانت تلك شِقشِقة هَدَرَت ثُمّ قرّت قد صدرت من قلبٍ موجوعٍ بفقد صديق وفقد أخ...
سبقتني دمعتي للكتابة يا صديقي وأنا أتذكر تلك الأيام...
أيام كنا وقبل بضعة أيام كنا سوية، فصارت كان يا ما كان...
الفاتحة سأقرئها على روحك يا محمد لتنزل الطمأنينة والسلام على روحك وروح من أستشهد معك من ضحايا أبرياء قضوا في الانفجار لتنزل هذه الفاتحة لعنة وصفعة على الفاسدين والقتلة الذين أوصلوا العراق إلى ما هو عليه اليوم...
الفاتحة سأقرئها بصوتٍ عالٍ كي يسمع من سد بأنملتيه الفاسدتين أذنيه كي لا يسمع صوت المظلوم...
وويلٌ للظالم من غضب المظلوم...
(الفاتحة)