عندما يقول السائل: إن شريكه مقتنع بالفكر الليبرالي فكان من المناسب أن يبين لنا ما هذا الفكر؛ حتى يكون الجواب صحيحا؛ لأن السائل قد يتوهم شيئا لا يكون فكرا ليبراليا، وبالتالي تكون الفتوى غير صحيحة، وغير مناسبة للسائل.
وذلك أن الفكر الليبرالي منه ما هو غال وكفر بواح، ومنه ما هو دون ذلك، ومنه ما يسمى بالفكر الليبرالي وهو في حقيقته دين إسلامي، فهذه ثلاث صور، ويمكن تجلية ذلك على النحو الآتي:
الصورة الأولى:
الفكر الليبرالي الغالي، وهو الفكر الملحد الذي يدعو إلى الحرية المطلقة، وهي الحرية المنفتحة المنفلتة التي تتخطى الشرع وتتمرد عليه، ولا تؤمن بقيوده وضوابطه التي وضعها الله تعالى.
وأصحاب هذا الفكر لا يقدسون الدين الإسلامي، ولا يعظمون الرب تعالى، ولا يفرقون بين مؤمن وملحد، ولا يقيمون وزنا للقيم والأخلاق والمبادئ، ويجعلون من أنفسهم مصدراً أولاً للتحليل والتحريم، فيحلون الحرام، ويحرمون الحلال بدعوى الحرية، فالخمر عندهم مشروب روحي حلال، والربا فائدة حلال، والزنا برضا الطرفين متعة حلال، والطلاق تسلط وجريمة، وتعدد الزوجات ظلم وجريمة، وقطع يد السارق قسوة وجريمة.
وهؤلاء يقدمون القوانين البشرية ويجعلونها ملاذا لهم دون شريعة الله، ولا يأخذون من الدين الإسلامي إلا ما وافق مصالحهم وأهواءهم.
وقد قال الله تعالى: [فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما] فنفى الإيمان عمن لم يتحاكم إلى شرع الله، وقال سبحانه فيمن ترك حكمه: [ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون]، وقال جل جلاله: [وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم]، وقال سبحانه: [أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تفعلون] ، ويقول تباركت أسماؤه: [إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا * أولئك هم الكافرون حقا واعتدنا للكافرين عذاباً مهينا].
وعليه فمن تلبس بتلكم الصورة المقيتة أو ببعض مفرداتها من أصحاب التيار الليبرالي، فقد نقض إسلامه ووقع في الكفر الصراح الذي لا مرية فيه، ويكون بالتالي قد أفسد رباط الزوجية وحله، وتسقط ولايته عن أبنائه، وعليه أن يتوب، ويجدد إسلامه.
الصورة الثانية:
الفكر الليبرالي المخفف وهو دون الفكر السابق، وصاحبه قد يكون مبتدعا وصاحب كبيرة لكنه لا يُكفّر، كونه تلبس بأفكار ـأو ممارسات- ليبرالية جزئية لا تخرجه من الإسلام.
كالإعجاب أو الممارسة لبعض مظاهر الحياة الغربية المخالفة للإسلام دون استحلال لها، من الاختلاط المحرم بين الرجال والنساء، والخلوة المحرمة بالأجنبية، واتخاذ المرأة صديقا أجنبيا عنها والعكس، والاحتفال بأعيادهم من غير الرضا بدينهم أو الإقرار بشعائرهم، فهؤلاء قد وقعوا في كبائر من الذنوب دون الكفر.
والمبتلى بحاملٍ لهذا الفكر من الزوجين هو من يقدر المصلحة والمفسدة في بقاء رباط الزوجية أو حله إن لم يمكن الإصلاح.
وأما تأثير أحد الوالدين على أبنائه بفكره الليبرالي، فالتأثير حاصل ولا شك، بسبب العشرة والتلقين والتقليد، وقد قال النبي صلى الله عليه واله وسلم: ((كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)) صحيح.
فالأبوان أو أحدهما قد يصنعان من ولدهما يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً بما يلقنانه من مبادئ وقيم، وكذا قد يصنعان منه ليبرالياً ملحداً أو دون ذلك، وقد يصنعان منه مؤمناً موحداً بتوفيق الله تعالى.
الصورة الثالثة: ما يسمى بالفكر الليبرالي وهو في حقيقة الأمر ليس بفكر ليبرالي، ولكنه دين سماوي إسلامي، كمن يدعو إلى الحرية والعدل والمساواة بمفهوم الإسلام.
فالمتلبس بهذه الصورة من الزوجين تصحح له المفاهيم المغلوطة، بأن يقال هذه مسميات ومفاهيم إسلامية جاء بها الشرع الحنيف، فلا يصح أن ننسبها إلى الليبرالية.
لأن الليبرالية الحقيقية تنافي الإسلام وتضاده، و تعتبر سبة على أصحابها ومن يدعيها، فكيف ننسب مسميات الإسلام ومفاهيمه إليها؟
وهذه الصورة لا تؤثر على رباط الزوجية، ولا على الأبناء إلا من حيث ما يكون فيها من تلبيس وتشويش قد يؤثر عليهم في مستقبل أيامهم، وخاصة متى ما قلَّت حصيلتهم الشرعية، وضعفت حصانتهم الدينية.
والله أعلم..