ما هو الكتاب الذي ينتسب إليه أهل الكتاب و كيف هو؟
الرواية و إن عدت المجوس من أهل الكتاب، و لازم ذلك أن يكون لهم كتاب خاص أو ينتموا إلى واحد من الكتب التي يذكرها القرآن ككتاب، نوح و صحف إبراهيم، و توراة موسى، و إنجيل عيسى، و زبور داود، لكن القرآن لا يذكر شأنهم، و لا يذكر كتابا لهم، و الذي عندهم من "أوستا" لا ذكر منه فيه، و ليس عندهم من سائر الكتب اسم.
و إنما يطلق القرآن "أهل الكتاب" فيما يطلق، و يريد بهم اليهود و النصارى لكان الكتاب الذي أنزله الله عليهم.
و الذي عند اليهود من الكتب المقدسة خمسة و ثلاثون كتابا منها توراة موسى مشتملة على خمسة أسفار، و منها كتب المؤرخين اثنا عشر كتابا، و منها كتاب أيوب، و منها زبور داود، و منها ثلاثة كتب لسليمان، و منها كتب النبوات سبعة عشر كتابا.
و لم يذكر القرآن من بينها إلا توراة موسى و زبور داود (عليه السلام).
و الذي عند النصارى من مقدسات الكتب، الأناجيل الأربعة: و هي إنجيل متى، و إنجيل مرقس، و إنجيل لوقا، و إنجيل يوحنا، و منها كتاب أعمال الرسل، و منها عدة من الرسائل،.
و منها رؤيا يوحنا.
و لم يذكر القرآن شيئا من هذه الكتب المقدسة المختصة بالنصارى إلا أنه ذكر أن هناك كتابا سماويا أنزله الله على عيسى بن مريم يسمى بالإنجيل، و هو إنجيل واحد ليس بالأناجيل، و النصارى و إن كانوا لا يعرفونه و لا يعترفون به إلا أن في كلمات رؤسائهم لقيطات تتضمن الاعتراف بأنه كان للمسيح كتاب اسمه إنجيل.
و القرآن مع ذلك لا يخلو من إشعار بأن بعضا من التوراة الحقة موجود فيما عند اليهود، و كذا بعض من الإنجيل الحق موجود في أيدي النصارى، قال تعالى: "و كيف يحكمونك و عندهم التوراة فيها حكم الله": المائدة - 43، و قال تعالى: "و من الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به": المائدة - 14، و الدلالة ظاهرة.
بحث تاريخي
1 - قصة التوراة الحاضرة:
بنو إسرائيل هم الأسباط من آل يعقوب كانوا يعيشون أولا عيشة القبائل البدويين ثم أشخصهم الفراعنة إلى مصر و كانوا يعامل معهم معاملة الأسراء المملوكين حتى نجاهم الله بموسى من فرعون و عمله.و كانوا في زمن موسى يسيرون مسير الحيوة بالإمام و هو موسى و بعده يوشع (عليه السلام) ثم كانوا برهة من الزمان يدبر أمرهم القضاة مثل إيهود و جدعون و غيرهما.
و بعد ذلك يشرع فيهم عصر الملك و أول الملوك فيهم شاءول و هو الذي يسميه القرآن الشريف بطالوت ثم داود ثم سليمان.
ثم انقسمت المملكة و انشعبت القدرة و مع ذلك ملك فيهم ملوك كثيرون كرحبعام و أبيام و يربعام و يهوشافاط و يهورام و غيرهم بضعة و ثلاثون ملكا.
و لم تزل تضعف القدرة بعد الانقسام حتى تغلبت عليهم ملوك بابل و تصرفوا في أورشليم و هو بيت المقدس، و ذلك في حدود سنة ستمائة قبل المسيح، و ملك بابل يومئذ بخت نصر بنو كدنصر ثم تمردت اليهود عن طاعته فأرسل إليهم عساكره فحاصروهم ثم فتحوا البلدة، و نهبوا خزائن الملك، و خزائن الهيكل المسجد الأقصى و جمعوا من أغنيائهم و أقويائهم و صناعهم ما يقرب من عشرة آلاف نفسا و ساروا بهم إلى بابل، و ما أبقوا في المحل إلا الضعفاء و الصعاليك، و نصب بخت نصر "صديقا" و هو آخر ملوك بني إسرائيل ملكا عليهم، و عليه الطاعة لبخت نصر.
و كان الأمر على ذلك قريبا من عشر سنين حتى وجد صدقيا بعض القوة و الشدة، و اتصل بعض الاتصال بواحد من فراعنة مصر فاستكبر و تمرد عن طاعة بخت نصر.
فأغضب ذلك بخت نصر غضبا شديدا فساق إليهم الجيوش و حاصر بلادهم فتحصنوا عنه بالحصون، و تمادى بهم التحصن قريبا من سنة و نصف حتى ظهر فيهم القحط و الوباء.
و أصر بخت نصر على المحاصرة حتى فتح الحصون، و ذلك في سنة خمسمائة و ست و ثمانين قبل المسيح، و قتل نفوسهم، و خرب ديارهم و خربوا بيت الله، و أفنوا كل آية و علامة دينية، و بدلوا هيكلهم تلا من تراب، و فقدت عند ذلك التوراة و التابوت الذي كانت تجعل فيه.
و بقي الأمر على هذا الحال خمسين سنة تقريبا و هم قاطنون ببابل و ليس من كتابهم عين و لا أثر، و لا من مسجدهم و ديارهم إلا تلال و رياع.
ثم لما جلس كورش من ملوك فارس على سرير الملك، و كان من أمره مع البابليين ما كان، و فتح بابل و دخله أطلق أسراء بابل من بني إسرائيل، و كان عزرا المعروف من المقربين عنده فأمره عليهم، و أجاز له أن يكتب لهم كتابهم التوراة، و يبني لهم الهيكل، و يعيدهم إلى سيرتهم الأولى و كان رجوع عزرا بهم إلى بيت المقدس سنة أربعمائة و سبعة و خمسين قبل المسيح، و بعد ذلك جمع عزرا كتب العهد العتيق و صححها، و هي التوراة الدائرة اليوم.
و أنت ترى بعد التدبر في القصة أن سنة التوراة الدائرة اليوم مقطوعة غير متصلة بموسى (عليه السلام) إلا بواحد و هو عزرا، لا نعرفه أولا و لا نعرف كيفية اطلاعه و تعمقه ثانيا، و لا نعرف مقدار أمانته ثالثا، و لا نعرف من أين أخذ ما جمعه من أسفار التوراة رابعا، و لا ندري بالاستناد إلى أي مستند صحح الأغلاط الواقعة أو الدائرة خامسا.
و قد أعقبت هذه الحادثة المشئومة أثرا مشئوما آخر و هو إنكار عدة من باحثي المؤرخين من الغربيين وجود موسى و ما يتبعه، و قولهم: إنه شخص خيالي كما قيل نظيره في المسيح عيسى بن مريم (عليهما السلام)، لكن ذلك لا يسع لمسلم فإن القرآن الشريف يصرح بوجوده (عليه السلام) و ينص عليه.