كلما حاول العلماء البحث أكثر في طليعة الحياة على وجه الكرة الارضية تطاول صعيد البحث مع تاريخ ظهور الحياة إلى أدوار أعمق وأكثر توغلاً في القِدم ، ولهذا السبب فقد أصبحت هذه المسألة تتسم بالاسرار ويُضاف في إبهامها وتعقيدها .
مع أنه لم تمض على ظهور الإنسان بأيدينا في الارض مدّة طويلة بالنسبة الى عمر الارض وتواجد الحياة فيها ، مع ذلك ليس بأيدينا اليوم معلومات واضحة عن تطورات حياة الانسان والادوار التي مرّت على البشر ما قبل التاريخ . واستطاع علماء الآثار ببحوثهم في بطون الاتربة بما لديهم من أدوات ووسائل وبما اكتشفوا من آثار باقية من القرون الخالية ، أن يقدموا لنا معلومات قيّمة عن أوضاع حياة الإنسان في مختلف الادوار . فهم على أساس بحوثهم هذه يقسمون عصور ما قبل التاريخ إلى أدوار عديدة
فالإنسان في العصر الحجري كان يحاول الصيد لدفع جوعه واستمرار حياته بأسلحة ساذجة كالاخشاب والاحجار ، وهو في اضطراب دائم خوفاً من السباع والوحوش ، فكان يلجأ إلى زوايا الكهوف صيانة لنفسه من ضرّها وشرّها . كانت الانواء الجوية وتحولاتها تخيفه وترعبه ، وكان يخاف من الظلام ويرهبه . فهو في ذلك العهد كان يُعدّ صيّاداً يبحث عن
القدرة للانتصار على صيده، وكان يستعمل كل إمكاناته في سبيل ظفره بعدوّه، يصنع لنفسه من الحجر فأساً ومعولاً ورمحاً في طول هذا الدور استطاع أن يُشعل ناراً فيطبخ بها طعامه ، وينتصر بها على ظلام الليالي . ومرت قرون هكذا حتى خلّف المراحل البدائية للعصر الحجري القدي.
يقول علماء الآثار : لقد مرّت على البشرية أدوار مختلفة وتواجدت حضارات متطوّرة سادت ثم بادت ولم يعد بالإمكان إلاّ اكتشاف آثار مبهمة عنها ومن الممكن أن يكون هذا الدور الاخير قد بدأ من آدم عليه السلام
ومع دخوله إلى العصر الحجري الجديد أحدث تغييرات في جوانب مختلفة من حياته . وإن كانت أدوات أعماله ووسائل حياته لا تتجاوز الحجر ، إلاّ انّها خرجت عن صورها الساذجة السابقة الى اعتدال أكثر .
فهو من تكديس الاحجار والاخشاب صنع كوخاً لسكناه ، وبالإفادة من الطين المخمّر والشمس والنار صنع لنفسه أواني خزفية . وتوفّق الى حلّ رموز الزراعة وتأهيل الحيوانات والدواجن الاهلية ، فهو يعرف اليوم كيف يزرع البذور ويربّي الاشجار ، ويصيد بعض الحيوانات بالسهام والاقواس ويصيد السمك بالرماح ، وترك خلف ظهره العصر الحجري تدريجيّاً ، وترك ذكر مصيره للمستقبل ، ودخل دور الصهر والحديد والمعادن .
وفي هذا الدور بدأت قصة الحضارة تنموا تدريجيّاً ، وتصوّرت حياة الإنسان بصورة جديدة ، ودخلت مرحلة اُخرى .
فلم يَعدُ هو بعد حيواناً جائعاً يسعى وراء طعامه دائماً ، والحوادث المختلفة سببت في ان يعطف نظره عن بطنه إلى العالم من حوله ، وكلما زيد في فتوحاته في حروبه مع الطبيعة ضوعفت بنفس النسبة حوائجه . وبكلمة فان ذلك الموجود الذي انتصب قائماً في ساحة الوحوش اختار طريقاً انتهت به إلى هذه الحضارة الحاضرة اليوم ، وبينما كان محصوراً بين جدران الجهل توفّق الى أن يجد للخلاص سبيلاً الى عالم العلم والمعرفة .إن الذي كان ولا يزال يميّز الإنسان عن الحيوان كان شيئاً روحياً ذاتياً هو العقل
والإدراك الذي هو من أعجب ظواهر الحياة ، فوراء عينيه كان عقله ، وكان يحسّ في باطنه بقوة تجذبه إلى طرق بديعة وجديدة ، وفي كل خطوة يخطوها كان يشعر في باطنه باضطراب من حبّه للاستطلاع إلى جانب ضوء خافت من الاعتماد والثقة بالنفس . وكل ما أحدث التاريخ وغيّر من اُسلوب حياة الإنسان كل ذلك من الاعمال العجيبة لهذا الشيء المرموز غير المرئي والذي لا يوصف أي « العقل » فالإنسان في ظل هذه الموهبة يشاهد الاشياء بدقة ويفكر فيها
بإمعان ويتعلّم منها بالتجربة ، ثم يدّخر معلوماته في مكان غريب محيّر في المخ باسم القوة الذاكرة ، فينتفع ويفيد منها في الماجريات والحوادث المستجدة .
في الالف الرابع قبل ميلاد المسيح تقدم البشر في مختلف شؤون الحضارة : فظهرت لديه الكتابة بالالف والباء والصناعة والتجارة ، وتأسس المهم من عناصر الحضارة . ففي هذا الدور مدّ يده للبناء بل المعمارية بالاحجار الكبرى المقدّرة ، واستخدم الصفر والنحاس ثم الحديد لصناعة الادوات ووسائل الحياة . وتأسس الدين الإلهي الكبير ، فظهر إبراهيم عليه السلام في أرض بابل ، وأمره الله أن يتكفّل بهداية المجتمع البابلي الضال ، والافكار غير المنطقية . ولذلك فقد قام أصحاب تلك العقائد وذووا تلك الافكار بالإصطفاف أمامه لمقاومته ، وكانت جبهة نمرود هي الاقوى التي كانت ترى دعوة إبراهيم خطراً جادّاً يهدد كيانها ، فقام نمرود بتوظيف كل طاقاته وقدراته لمضادته . ولكن إبراهيم بنشره لدعوته التوحيدية وكفاحه المتتابع ضد الطغاة الظالمين حطّم بالتالي القدرة الشيطانية لنمرود . وبعد أسفار طويلة حيث انتهى به المطاف الى أرض الحجاز أسّس بيت التوحيد بمساعدة ولده إسماعيل عليهما السلام .
وبعد عهد الحديد نصل الى الدور التاريخي الاول والمرحلة التاريخية الاولى .