الاسلام يرى أن الأساس الحق للأحكام و القوانين الانسانية هو الفطرة التي فطر الناس عليها و لا تبديل لخلق الله، و قد بنى الارث على أساس الرحم التي هي من الفطرة و الخلقة الثابتة، و قد ألغى ارث الأدعياء حيث يقول تعالى و ما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم و الله يقول الحق و هو يهدي السبيل ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله، فإن لم تعلموا آباءهم فأخوانكم في الدين و مواليكم (الأحزاب 5)
ثم أخرج الوصية من تحت عنوان الارث و أفردها عنوانا مستقلا يعطى به و يؤخذ و إن كانوا يسمون التملك من جهة الايصاء ارثا، و ليس ذلك مجرد اختلاف في التسمية فان لكل من الوصية و الارث ملاكا آخر و أصلا فطريا مستقلا، فملاك الارث هو الرحم و لا نفوذ لارادة المتوفى فيها أصلا، و ملاك الوصية نفوذ ارادة المتوفى بعد وفاته و ان شئت قل: حين ما يوصي في ما يملكه في حياته و احترام مشيته، فلو أدخلت الوصية في الارث لم يكن ذلك الا مجرد تسمية.
و أما ما كان يسميها الناس كالروم القديم مثلا ارثا فلم يكن لاعتبارهم في سنة الارث أحد الأمرين، اما الرحم و اما احترام ارادة الميت بل حقيقة الأمر أنهم كانوا يبنون الارث على احترام الإرادة و هي ارادة الميت بقاء المال الموروث في البيت الذي كان فيه تحت يد رئيس البيت و ربه أو ارادته انتقاله بعد الموت إلى من يحبه الميت و يشفق عليه فكان الارث على أي حال يبتني على احترام الارادة و لو كان مبتنيا على أصل الرحم و اشتراك الدم لرزق من المال كثير من المحرومين منه، و حرم كثير من المرزوقين.
ثم إنه بعد ذلك عمد إلى الارث و عنده في ذلك أصلان جوهريان: أصل الرحم و هو العنصر المشترك بين الانسان و أقربائه لا يختلف فيه الذكور و الاناث و الكبار و الصغار حتى الأجنة في بطون أمهاتهم و ان كان مختلف الأثر في التقدم و التأخر، و منع البعض للبعض من جهة قوته و ضعفه بالقرب من الانسان و البعد منه، و انتفاء الوسائط و تحققها قليلا أو كثيرا كالولد و الأخ و العم، و هذا الأصل يقضي باستحقاق أصل الارث مع حفظ الطبقات المتقدمة و المتأخرة.
و أصل اختلاف الذكر و الأنثى في نحو وجود القرائح الناشئة عن الاختلاف في تجهيزهما بالتعقل و الإحساسات، فالرجل بحسب طبعه انسان التعقل كما أن المرأة مظهر العواطف و الاحساسات اللطيفة الرقيقة، و هذا الفرق مؤثر في حياتيهما التأثير البارز في تدبير المال المملوك، و صرفه في الحوائج، و هذا الأصل هو الموجب للاختلاف في السهام في الرجل و المرأة و ان وقعا في طبقة واحدة كالابن و البنت، و الأخ و الأخت .
و استنتج من الأصل الأول ترتب الطبقات بحسب القرب و البعد من الميت لفقدان الوسائط و قلتها و كثرتها فالطبقة الأولى هي التي تتقرب من الميت بلا واسطة و هي الابن و البنت و الأب و الأم، و الثانية الأخ و الأخت و الجد و الجدة و هي تتقرب من الميت بواسطة واحدة و هي الأب أو الأم أو هما معا، و الثالثة العم و العمة و الخال و الخالة، و هي تتقرب إلى الميت بواسطتين.
و هما أب الميت أو أمه و جده أو جدته، و على هذا القياس، و الأولاد في كل طبقة يقومون مقام آبائهم و يمنعون الطبقة اللاحقة و روعي حال الزوجين لاختلاط دمائهما بالزواج مع جميع الطبقات فلا يمنعهما طبقة و لا يمنعان طبقة.
ثم استنتج من الأصل الثاني اختلاف الذكر و الأنثى في غير الأم و الكلالة المتقربة بالأم بأن للذكر مثل حظ الأنثيين.
و السهام الستة المفروضة في الاسلام النصف و الثلثان و الثلث و الربع و السدس و الثمن و ان اختلفت، و كذا المال الذي ينتهي الى أحد الوراث و ان تخلف عن فريضته غالبا بالرد أو النقص الوارد و كذا الأب و الأم و كلالة الأم و إن تخلفت فرائضهم عن قاعدة ،للذكر مثل حظ الأنثيين ، و لذلك يعسر البحث الكلي الجامع في باب الارث إلا أن الجميع بحسب اعتبار النوع في تخليف السابق للاحق يرجع إلى استخلاف أحد الزوجين للآخر و استخلاف الطبقة المولدة و هم الآباء و الأمهات للطبقة المتولدة و هم الأولاد، و الفريضة الاسلامية في كل من القبيلين أعني الأزواج و الأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين.هذا واسأل المولى العلي العظيم دواااااااااام توفيقه لنا ولكم مع فائق تقديري