لم تكن ولادة يحيي عجيبة ومذهلة لوحدها، بل ان موته أيضا كان عجيبا من عدة جهات، وقد ذكر (بعض) المؤرخين المسلمين، وكذلك المصادر المسيحية، مجرى هذه الشهادة على هذه النحو، بالرغم من وجود اختلاف يسير في خصوصياتها بين هذه المراجع:
لقد أصبح يحيى ضحية للعلاقات غير الشرعية لأحد طواغيت زمانه مع أحد محارمه، حيث تعلق «هروديس» ملك فلسطين اللاهث وراء شهواته ببنت أخته «هروديا» وهام في غرامها، وألهب جمالها قلبه بنار العشق، ولذلك صمم على الزواج منها!
فبلغ هذا الخبر نبي الله العظيم يحيى(عليه السلام)، فأعلن بصراحة أن هذا الزواج غير شرعي ومخالف لتعليمات التوراة، وسأقف امام مثل هذا العمل.
لقد انتشر صخب وضوضاء هذه المسألة في كل أرجاء المدينة، وسمعت تلك الفتاة (هيروديا) بذلك، فكانت ترى أكبر عائق في طريقها، ولذلك صممت على الانتقام منه في فرصة مناسبة لترفع هذا المانع من طريق شهواتها وميولها، فعمقت علاقتها بخالها ووطدتها، وجعلت من جمالها مصيدة له، وقد ملكت عليه كل مشاعره وأحاسيسه، الى أن قال لها هيروديس يوما: اطلبي مني كل ما تريدين فسأحققه لك قطعا، فقالت هيروديا: لا أريد منك الا رأس يحيى! لأنه قد شوه سمعتي وسمعتك، وقد أصبح كل الناس يعيروننا، فان كنت تريد أن يهدأ قلبي ويسر خاطري فيجب أن تقوم بهذا العمل!
فسلم هيروديس ـ الذي أصبح مجنونا لا يعقل من عشق هذه المرأة ـ لما أرادت من دون أن يفكر ويتنبه إِلى عاقبة هذا العمل، ولم يمض قليل من الزمن حتى أُحضر رأس يحيى عند تلك المرأة الفاجرة، الا أن عواقب هذا العمل الشنيع قد أحاطت به، وأخذت بأطرافه في النهاية.
ونقرأ في الروايات أن سيد الشهداء الإِمام الحسين(عليه السلام) كان يقول: «ان من هوان الدنيا أن يهدى رأس يحيى بن زكريا إِلى بغي من بغايا بني اسرائيل» أي إِن ظروفي تشابه من هذه الناحية ظروف وأحوال يحيى، لأنّ أحد أهداف ثورتي محاربة الأعمال المخزية لطاغوت زماني يزيد.