مظفر النواب والثورات العربية (الخاتمة في
الخليج 7/7)
حيدر محمد الوائلي
((الحلقة السابعة والأخيرة))
ويكمل النواب ثورته الشعرية ويلهب جمرها
ويصرخ بالشعوب العربية جميعاً كي تنتفض إنتفاضة الواعين لا إنتفاضة المغفلين، إنتفاضة
من ينتفض ليكمل المسيرة ويحصد عطاءها حرية وكرامة وعدالة، لا أن يثور الأبطال
ليحكم الجبناء، ولا أن يثور الواعين ليحكم المغفلين، ولا أن يثور الأحرار ليحكم
العبيد.
إنتفاضة ضد فساد الحكام وظلمهم وتحكمهم بثروات
ومصير البلاد والعباد وكرامة الدين والوطن، كل ذلك مما يحسبه الحاكم ملكاً يتصرف
به وفق مزاجه ومشتهياته شاء الشعب أم أبى، وليس الأمر بطعام وبنايات ورواتب بل
بكرامة وحرية وعدالة.
لا ينسى مظفر النواب بلاد نجد والحجاز
والتي غير حاكميها إسمها الحضاري والتاريخي لأسم حاكم حكمها بالعمالة والدسائس
والمؤامرات، ليتحكم ببلاد نبي الأسلام الخالد محمد (ص)، الذي أعز بالأسلام الذي
أتى به من عند الله من كان بالجاهلية ذليلاً، وكرّم به من كان بالجاهلية مهاناً،
ولكن هيهات هيهات اليوم حيث خادم الحرمين خائنها، وملك البلاد لصها الأول، وحاكمها
أول من خانها، ورجال دينها عبيد الحاكم حيثما يولي يولون وجوههم شطره، وكل ما يفعله
الحاكم فهو جميل وحلال وما لا يهواه الحاكم فهو قبيح وحرام، ولا يجوز الخروج عليه
ولو كان ظالماً وفاسقاً وفاسداً.
هؤلاء هم العلماء الذين يصبحون صباحهم ببيت
الله ويمسون بمسجد رسول الله، ليحسبون ما عندهم هو الدين، ويأبى الله دينهم فهو
دين ضد دين الله.
يستذكر مظفر النواب جهيمان العتيبي مرة
أخرى كما ويستذكر الكاتب السعودي المُغيّب ناصر السعيد الذي كتب كتاباً فضح فيه
تاريخ العائلة السعودية المالكة وفسادها وعمالتها وخيانتها فغيبوه في السجون ولحد
الآن لا يُعرف هل هو حي أو ميت ولازال كتابه موجود ومنتشر، يقول النواب (قصيدة
طلقة ثم الحدث):
يا سيدي إعصف ودمر...
أقبل حزن يديك...
أتقد...
طهر الشعب من لعنة الجبر...
شمّر مباذلنا الشاحمة...
تمرد.. تمرد.. تمرد...
فهذي الشراذم ملعونة الأبوين...
على عهرها شدت الأحزمة...
من جلالته بالحجاز يجز إلهاً الى خير
الأنظمة...
شهوة نحرت بأتجاه أمريكا سبعة وسبعين في
لحظة...
وتوضأ مجرمها بالدماء...
وصلى الى قبلة مثله مجرمة...
يا جهيمان...!!
حدّق فما يملكون فرائصهم...
نفذت.. نفذت.. خلعتهم قرحاً...
ونفذت.. نفذت.. بعيداً فأصلابهم عاقمة...
فإذا طوّفوا كان وجهك أو سجدوا...
فالدماء التي غسلوها تسد خياشيمهم...
ومناخيرهم...
وقلوبهم الآثمة...
لم يناصرك هذا اليسار الغبي...
كأن اليمين أشد ذكاءاً...
فأشعل أجهزة الروث بين اليسار يقلب في حيرة
معجمه...
كيف يحتاج دمٌ بهذا الوضوح...
الى معجمٍ طبقيٍ لكي يفهمه...
أي تفووو!! بيسارٍ كهذا...
أينكر حتى دمه...
ويا ناصر بن سعيد...
إذا كنت حي بسجن...
وإن كنت حياً بقبرٍ...
فأنت هنا بيننا ثورة عارمة...
أيها الناس...
أعلن أن الحجيج سلاحاً بمكة في السنة
القادمة...
كافر من يحج بدون سلاحٍ...
يخلص مكة من دولةٍ عاهرٍ صائمة...!!
أزحفي أيتها الكتل البشرية...
هذي العيون الملايين لو نظرت ذوبتهم...
فكيف إذا حدّقت بالبنادق عابسة صارمة...
ويستطرد مظفر النواب في إلهاب حماس الثورة
ويتجه مركب ثورته لدول الخليج وحكامها الظلمة، ويصرخ بوجههم أنه ليس خائف من ظلمهم
ومن تهديدهم ووعيدهم وسجونهم حيث يقول:
أيها الناس...
هذي سفينة حزني...
وقد غرق النصف منها قتالاً بما غرقت عائمة...
وشراعي البهي شموخي...
تطرفت وعياً...
وأدرج في كل يوم كأني في قتلهم قائمة...
لا أخاف...!!
وكيف يخاف الجهور بطلقته طلقة كاتمة...!!
قدمي في الحكومات...
في البدء والنصف والخاتمة...!!
حاكم وحمت أمه عملة أجنبية في يومه فأتى
طبقها...
وانقلاب بكل الحبوب التي تمنع الحمل يزداد
حملاً...
وسلطنة ربعها لحية...
وثلاثة أرباعها مظلمة...
ومشايخ ملئ الخليج...
مراحل بعد الفراغ...
وأموالهم ذهبٌ إنما أكزمة...
والجماهير قد حولت وزنها ضجة...
والبلاد إذا سمنت وارمة...
ولقد تشرق الشمس من حزننا غاربة...
وأجانب مهما نقاتل...
والحاكمون الخصايا هم العرب العاربة...
رحمة أيها الشعب ضج بشكل صحيح...
لقد تاه قلبي...
ولم يبق بيت به فرح كلها شاحبة...
أيها المنتشون بمحض الصراخ الملقن والبث
والذبذبة...
لحظة الصمت أعظم إن صدقت...
يصدق الأنفجار ونيرانه اللاهبة...
أيها الجمهور صه لا تصفق...
لا تصفق لأنظمة غائبة...
مالها تتثائب هذي الجماهير...
تهتف وهي منومة...
زلزلي وإكفهري.. إكفهري...
يا أجمل من أمة غاضبة...
إمسحيهم فهم حاكمون بغايا بأفواههم...
والشريف الشريف شهامته سالبة...
اركليهم فأقدارهم يركلون...
وأقدارنا القوة الضاربة...
وتبقى أحلام مظفر الماضية التي لم تتحقق في
الماضي، وللأسف تحقق بعضها فقط في الحاضر وليس أكثرها فقد بقى كثيراً منها لم
يتحقق.
أحلام الحرية والكرامة والعدالة والخلاص من
الظالمين، والخلاص من الجالسين على كرسي الحكم وعدوه مغنماً لهم لا مسؤولية، وغاية
لا وسيلة.
والفقراء يحلمون، لأنهم إن لم يجدوا في
الواقع خيراً فخيراً لهم أن يحلموا، فالحلم في الخلاص ولو قليلاً من التفكير
الكئيب والمأساوي والظلم، فأحلموا ولو حتى حلم يقظة، ولا تُفسروا الأحلام لكيلا
تُعتبر منتمياً لحزب أو طائفة فأحفظه لنفسك...!!
سأل أحد الصحفيين العراقيين الرئيس العراقي
الحالي السيد جلال طلباني عن سبب عدم تكريم مظفر النواب لحد الآن؟!، فأجاب الرئيس
جلال طلباني: تكلمنا معه وأعطيناه استحقاقه من أموال وحقوق فرفضها قائلاً:
(أنا لم أأخذ مالاً من أي رئيس من قبل ولن
أأخذها منك الآن!!)
حفظ الله الشاعر الكبير مظفر النواب وعافاه
وأنا أحببته لحبه لمبدئه وإصراره وتفانيه في سبيل الكرامة والحرية.
إنتهت قصيدة النواب الثائرة (طلقة ثم
الحدث) ولم تنتهي نار ثورته بعد، ولا زالت الثورات العربية متقدة وسيأتي النصر
قريباً ولو بطول الصبر، ولا ظفر إلا بالصبر، ولا صبر إلا بوعي وتفكير.
فيما يلي رابط صوتي صغير الحجم لرائعة
(طلقة ثم الحدث) بصوت شاعرها مظفر النواب أرجو الاستماع والاستمتاع:
((إنتهت السلسلة))