دروس من موقف اسيا بنت مزاحم
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
آسيا بنت مزاحم المرأة المؤمنة زوجة فرعون الكافر طلبت طلبا من الله تعالى لنسمع القران الكريم وهو يتحدث عن طلبها فقد قال تعالى" ((وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ))
هذه المرآة كانت تسكن في قصر من أفخم القصور وفيه كل مستلزمات الخدمة ومملوء بالخدم والعمال والعبيد وكل الناس تتمنى الخدمة والسكن في القصر الفرعوني ولكن القران يذكر لنا أنها طلبت من الله بيت وليس قصر ولكن هذا البيت أين؟ نعم انه في الجنة حيث رضوان الله تعالى
كل فرد اليوم يتمنى أن تكون عنده دار يملكها خصوصا الذين يعيشون بالإيجار أو ضيوف عند الآخرين
تعتبر قطعة الأرض او - العرصة - مكسب لأجله يبذل الإنسان جهدا كبيرا ومن يملكها أي - العرصة - يكون فرحا لأنه يستطيع أن يبني عليها دارا يسكنها ولكن ما هي النتيجة الحقيقية والأخيرة لها لاحظوا معي ما يقوله الشعر المنسوب لأمير المؤمنين :
أموالنا لذوي الميراث نجمعها
ودورنا لخراب الدهر نبنيها
و ورد في الرواية لما رجع علي (ع) من صفين و أشرف على القبور قال : " يا أهل الديار الموحشة ، و المحال المقفرة ، و القبور المظلمة ، يا أهل التربة ، يا أهل الغربة ، و يا أهل الوحشة ، أنتم لنا فرط سابق ، و نحن لكم تبع لاحق أما الدور فقد سكنت ، و أما الأزواج فقد نكحت ، و أما الأموال فقد قسمت ، هذا خبر ما عندنا ، فما خبر ما عندكم ؟"
ثم التفت إلى أصحابه فقال : " أما لو أُذن لهم في الكلام لأخبروكم أن خير الزاد التقوى".
ولذلك كان الشاعر أبو العتاهية يقول:
لِدُوا للموتِ وابنُوا لِلخُرابِ
فكُلّكُمُ يَصِيرُ إلى تَبابِ
لمنْ نبنِي ونحنُ إلى ترابِ
نصِيرُ كمَا خُلِقْنَا منْ ترابِ
ألا يا مَوْتُ! لم أرَ منكَ بُدّاً،
أتيتَ وما تحِيفُ وما تُحَابِي
كأنّكَ قد هَجَمتَ على مَشيبي،
كَما هَجَمَ المَشيبُ على شَبابي
كم يسعى الإنسان ويشقى في هذه الحياة الدنيا ليبني له بيتاً فيها ، فيخسر من ماله وجهده وفكره ووقته لأجل ذلك . ثم هذا البيت معرض للزوال ، والحرق والهدم ، والتشقق والتصدع ، وان سلم البيت من ذلك كله فلن يسلم صاحبه من الموت أكيدا
من هنا نعرف أن كلام السيدة أسيا الذي نقله القران وجعله مضربا للمثل كان ذكيا جدا لأنه مقارنة بين القصر الكبير وسلطة واسعة ولكن مصيره الدمار وبين بيت الله يعلم ما حقيقته ولكنه في الجنة ومصيره البقاء والخلود في النعيم والراحة الأبدية.
وبيوت وقصور الجنة ليس كبيوتنا وقصورنا جاء في وصف بيوت الجنة كما في الحديث يقول صلى الله عليه واله وسلم: ( الجنة بناؤها لبنة من فضة و لبنة من ذهب و ملاطها المسك الأذفر و حصباؤها اللؤلؤ و الياقوت و تربتها الزعفران من يدخلها ينعم لا يبأس و يخلد لا يموت لا تبلى ثيابهم و لا يفنى شبابهم)
وقال صلى الله عليه واله وسلم:" إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها فقال أبو موسى الأشعري: لمن يا رسول الله؟ قال:لمن ألان الكلام وأطعم الطعام وبات لله قائما والناس نيام"
وقد ذكر لنا المعصومون أعمالا محددة يكون ثوابها ان يبني الله تعالى لنا بيتا في الجنة ومنها
عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم
من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة )
وقال (صلى الله عليه واله) : (من قرأ { قل هو الله أحد } عشر مرات بنى الله له بيتا في الجنة)
وأيضا قول الشعر في فضل أهل البيت ورثائهم من تلك الأعمال فقد قال الإمام الصادق عليه السلام : « من قال فينا بيت شعر بنى الله له بيتاً في الجنة »
وروي أن من صلى على محمد وآل محمد مئة مرة بين ركعتي الفجر وركعتي الغداة وقى الله وجهه حر النار، ومن قال مئة مرة: (سبحان ربي العظيم وبحمده، استغفر الله ربي وأتوب إليه) بنى الله له بيتاً في الجنة، ومن قرأ إحدى وعشرين مرة قل هو الله احد، بنى الله له بيتاً في الجنة، فإن قرأها أربعين مرة غفر الله له".
ومن الدروس التي تقدمها لنا السيدة أسيا في قصتها فقد نشأتْ ملكة في القصور، واعتادتْ حياة الملوك، ورأَتْ بطش القوة، وجبروت السلطان، وطاعة الأتباع والرعية، غير أن الإيمان أضاء فؤادها، ونوَّر بصيرتها، فسئمتْ حياة الضلال، فدعتْ ربها أن ينقذها من هذه الحياة وكانت نموذجًا خلّده القرآن للمؤمنة الصادقة مع ربها، فهي عندما عرفت طريق الحق اتبعتْه دون خوف من الباطل، وظلم أهله، ولم تفلح تهديدات فرعون ولا وعيده في ثنيها عن إيمانها، أو إبعادها عن طريق الحق والهدى. لقد تاجرتْ مع اللَّه، فربحَتْ تجارتها، باعتْ الجاه والقصور والخدم، بثمن أخر، ببيتٍ في الجنة وهذا درس كبير تقدمه لجميع الأخوات المؤمنات فرغمأن فرعون أمر جنوده أن يطرحوها على الأرض، ويربطوها بين أربعة أوتاد، وأخذت السياط تنهال على جسدها، وهى صابرة محتسبة على ما تعاني من ألم العذاب، و أمر بوضع رحًى على صدرها، وأن تُلقى عليها صخرة عظيمة نعم هذا هو التحمل الذي تقدمه هذه المرأة درسا لجميع النساء وبذلك حصلت على الفضل الإلهي الكبير فقد قال عنها الرسول (ص): " أفضل نساء أهل الجنة :خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم، وآسية)
إن المرأة تستطيع أن تقف بوجه الطغاة وتصمد إلى ابعد الحدود ومن هنا وجدنا هذه المجاهدة التي رفضت متاع الدنيا وزينتها ووقفت في وجه فرعون وآمنت بالله وتحملت العذاب فيسبيل الله وثبتت على موقفها وسألت الله أن يبنى لها عنده بيت في الجنة فنالت الشهادة ورأت بيتها في الجنة عند موتها فابتسمت قبل أن تفارق الحياة
إن المرأة المؤمنة لا يؤثر بها انحراف زوجها فكم رأينا نساء مؤمنات كاسيا الصابرة تزوجن لظروف معينة من رجال منحرفين وغير ملتزمين ولكنهن بقين على إيمانهن وثباتهن والتزامهن وطاعتهن لله تعالى ولم تؤثر بهن شخصيات أزواجهن المنحرفين أبدا بل كانت بعض النساء سبيل هداية الرجال فكم من مؤمنة استطاعت أن تؤثر في زوجها وتجعله يتوب إلى الله تعالى ويكون من الصالحين
إننا نريد من المجتمع النسائي أن يطلع على تاريخ هكذا نساء عظيمات كان لهن الأثر الكبير في الهداية والصلاح ونجعل من نماذج القران الكريم النسائية منارا واقتداءا في كافة المجالات