الحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف خلقه محمد وال بيته اجمعين
لقد دار الدهر دورته، ومضت الأيام تلو الأيام؛ لتزف الدنيا بعد ذلك أجمل خبر، ويدوي في الأصقاع قدوم سيد الشهور المنتظر. "إنه رمضان".
يأتي سيد الشهور بثغره الباسم، ووجهه المشرق، وأنفاسه العطرة.
يأتي وهو محمل بالفضائل والفوائد والهبات والنفحات.
يأتي بهياً عزيزاً مغدقاً بالخير محفوفاً بالبشر مسرجاً بنور الهدى والتقى.
يأتي بعد عام من لوعة الانتظار وحرارة الشوق وأمل العناق.
فأهلاً بك يا سيد الشهور وأغلى الضيوف.
أهلاً بمقدمك ومرحباً بإطلالتك.
تجيء يا سيد الشهور.
حبيباً تهفو إليه النفوس.
وضيفاً عزيزاً طال الشوق إلى لقياك.
فما أسعد من سيصوم نهارك، ويعيش أيامك في كنف الطاعات وروح القربات؛ ليضيف إلى رصيده صيام شهر من أزكى الشهور، ويملأ حشاه بعبق روضه المنثور.
وما أتعس من أضاع الفرصة، وتفلت عليه الشهر دون أن يتعرض لنفحات ربه وكرم نواله.
يقول الداعية التركي فتح الله كولن: "إن كان هناك شهر لا تنتهي نشوته، ولا تنفذ بهجته، ولا يبلى الوجد عنده فهو شهر رمضان، فمن فهمه حق الفهم تصبح البحار الواسعة كقطرة ماء أمام ما يرد إلى صدره من إلهام، والعقل الذي تنور بنوره تتحول الشمس تجاهه إلى مجرد شمعة"([1]).
فلا إله إلا الله ما أروعه من شهر أيامه فريدة المشاعر، طيبة المخابر، بهية المناظر، ذات ليل مؤنس بقيام المصلين وتلاوة الذاكرين، ونهار دافئ بأنوار أرواح الصائمين، حق له أن يكون سيد الشهور، فهو كبستان تنوعت أزهاره حتى هبت فيه النسمات من كل جهة برائحة مختلفة، فطول النهار تهب نسائم تحمل عبق الصيام المشعر باطلاع الله على السر وأخفى، وتارة يلفح بنسيم آيات القرآن بنشوة ترقى بتاليها أعلى الدرجات، وأخرى تبهج الأنفس بروائح أزهار الصدقة ومساعدة المحتاجين، وعند الغروب تنعم بطيب نشا مسك صلة الأقارب والأرحام على موائد الإفطار، وبعده تلامس بشرتنا ريح زهر الصلوات الدافئة التي تشعر بصلة العبد بربه وقربه حين التلذذ بمناجاته.