السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اهلا بكم اعضاء وزوار منتدانا الاكثر من رائع
لا شك أن الكثيرين يراودهم كثير من الأسئلة المتعلقة بذاكرة الطفل: متى يبدأ في تذكر أشياء بعينها؟ وما هي السن المناسبة لالتحاق الطفل بالمدرسة وإمكانية تحصيل معلومات معينة؟ وهل ذاكرة الأطفال تختلف عن ذاكرة البالغين؟ ولماذا تبقى بعض المشاهد والمعلومات التي نتعلمها في الصغر محفورة في ذاكرتنا؟ ويمكن اعتبار بداية التذكر حين يتم تعرف الرضيع على أمه التي تبدأ من سن 3 إلى 4 شهور وأيضا يمكنه تذكر بعض الوجوه المألوفة خاصة التي يراها باستمرار وبالطبع يختلف هذا عن تذكر تفاصيل شيء معين بعد ذلك.
وفى محاولة لكشف هذه الألغاز وإيجاد إجابات لمثل هذه الأسئلة، أجرى العلماء الكثير من الدراسات للبحث عن مزيد من المعلومات حول الذاكرة والقدرة على التعلم. وقد حاولت دراسة حديثة نشرت في منتصف شهر يوليو (تموز) الماضي في مجلة «علوم الأعصاب» (Journal of Neuroscience) قام بها أطباء من جامعة «واين (Wayne State University)» بالولايات المتحدة، دراسة الآلية التي يتم بها استدعاء المعلومة ومقارنتها بين الطفل والبالغ. وحرصت الدراسة على معرفة ما إذا كان هناك تغير كبير يحدث بالنسبة لاستدعاء معلومة وكذلك القدرة على تعلم معلومة جديدة. وجاءت النتائج لتؤكد وجود هذا التغير الكبير في الذاكرة بين الطفولة والبلوغ. ويتزامن هذا التغير مع التغير الكبير للبناء التشريحي والوظيفي للمخ
* عملية التذكر
* وقبل التطرق للدراسة من المهم أن نفهم أن التذكر هو عملية معقدة يقوم بها المخ لاسترجاع معلومة معينة تم تخزينها سابقا في المخ مستخدما في ذلك جميع الحواس الموجودة في الجسم من نظر وإحساس وشم واستماع بقيادة القشرة المخية (cerebral cortex) وتتدخل فيها عدة عوامل تنقسم إلى:
* عوامل نفسية: مثل نسيان حدث معين مؤلم أو مشهد تسبب في إيذاء نفسي شديد ويكون بمثابة الطريقة التي يتخلص بها المخ من الألم المصاحب لهذه الذكرى. وأحيانا يحدث العكس تماما حيث يمكن أن يظل مشهد معين عالقا بالذاكرة لفترات طويلة تبعا لتأثير هذا المشهد سواء سلبا أو إيجابا.
* عوامل عضوية: مثل حدوث أمراض معينة بالمخ أو التعرض لإصابة شديدة في المخ يمكن أن تؤثر على مراكز الذاكرة.
وبطبيعة الحال تختلف الذاكرة من شخص لآخر ويمكن أن يتفوق استدعاء معلومة معينة عن أخرى، فالبعض يمكنهم تذكر الروائح أكثر من غيرهم من الذين يتمتعون بذاكرة فوتوغرافية (photographic memory) تحتفظ بأدق تفصيلات مشهد معين ويمكن أن تختلف نفس الذاكرة في نفس الشخص فمثلا الطفل الذي يمكنه تذكر كل الأمور المتعلقة بقضائه للإجازة في مكان معين بكل تفصيلاتها الدقيقة يعانى من صعوبة بالغة في تذكر معلومات تتعلق بدراسته.
* دراسة جديدة
* واعتمدت الدراسة الجديدة على فكرة أن التطور الطبيعي للمخ يتزامن بالضرورة مع الاسترجاع الصحيح لمشاهد بحد ذاتها والحكم على أساس نمو الخلايا العصبية وتطورها من مرحلة الطفولة إلى المراهقة. وفى التجربة تم عرض صور على المشاركين ثم تم عرض نفس الصور وهي ممزوجة بمشاهد أخرى وتم سؤال المشاركين عن أي من هذه الصور تم عرضه أولا، وقد قام المشاركون باسترجاع هذه الصور بينما كان فريق البحث يقوم بعمل أشعة رنين مغناطيسي (MRI)، لمخ كل منهم وبهذه الطريقة كان العلماء قادرين على معرفة الآلية التي يتم بها التذكر، وأن الأجزاء المنوط بها التحكم في عملية التذكر في القشرة المخية هي الأجزاء التي تظهر التطور والتغير الأكبر في الخلايا العصبية وأن المشاركين الأكبر سنا استخدموا القشرة المخية أكثر في استدعاء المعلومة بشكل صحيح أكثر من المشاركين الأصغر سنا معتمدين على الخبرات السابقة.
وقد حرص الفريق الطبي على معرفة ما إذا كانت هناك تغيرات في التوصيلات العصبية في المناطق المسؤولة عن استرجاع الذاكرة، وبالفعل كان هناك تغير كبير في تطور التوصيلات العصبية في نمو المخ متزامن مع النمو الوظيفي له.
وتعتبر هذه الدراسة هي الأولى في رصد أثر التوصيلات العصبية في عملية التذكر وتشير إلى أن المخ يستمر في إعادة ترتيب التوصيلات العصبية حتى يصل إلى تذكر معلومة معينة.
* تصنيفات الذاكرة
* ومن المعروف أنه يمكن تصنيف الذاكرة إلى عدة تصنيفات مثل الذاكرة على المدى القصير مثل استرجاع رقم هاتف أو عنوان مدون في جريدة بعد قراءتها بفترة بسيطة ثم نسيانه بعد ذلك. وتوجد كذلك الذاكرة على المدى البعيد التي تحتفظ بمعلومات معينة لفترات طويلة والفروق الشخصية بين الأشخاص الذين يتمتعون بذاكرة قوية تعتمد على عوامل وراثية وعدة عوامل أخرى يمكن أن تسهم في تحسين استدعاء المعلومة مثل: • الطريقة التي تم بها الاحتفاظ بالمعلومة، ومن هنا تبرز أهمية طرق التعلم الحديثة لتلقين الطفل معلومة معينة مثل الاحتفاظ بالمعلومة بطريقة منظمة ومرتبطة بتتابع معين وبالتالي يسهل عملية استدعاء تلك المعلومة. ويمكن تشبيه ذلك مثل الاحتفاظ بكتاب في مكان منظم ومرتب يسهل استرجاعه من ذلك المكان.
القدرة على استدعاء أو تعلم معلومة تختلف في مرحلتي الطفولة والمراهقة.
• الفهم الجيد للمعلومة التي تم الاحتفاظ بها يساعد في سهولة استرجاعها.
• الممارسة المستمرة للمعلومات والخبرات التي تم اكتسابها حيث يتم استحضار المعلومة باستمرار يمنع نسيانها.
* ذاكرة الصغار
* وعلى الرغم من أن الكثير يعتقدون أن الصغار يتمتعون بذاكرة أكثر حدة من البالغين إلا أن هذه المعلومة ليست صحيحة’ حيث أشارت دراسة قام بها فريق طبي ألماني في أغسطس (آب) من العام الماضي إلى أن آلية استدعاء معلومة معينة وربطها بالسياق المصاحب لها (مثل ألا يتم فقط تذكر وجه أحد الأشخاص ولكن يتم أيضا تذكر الظروف التي تمت فيها مقابلته)، وأوضحت الدراسة أن هذه الآلية معقدة وتتطور من الطفولة إلى المراهقة إلى البلوغ وهو الأمر الذي أكدته دراسة كندية طولية أخرى في نفس العام، حيث تم إجراء تجربة على 140 طفلا تتراوح أعمارهم بين 4 و13 عاما (في الأغلب يصعب تذكر أحداث في الذاكرة بعيدة المدى للإنسان قبل هذا السن، حيث إن هذه الفترة من الحياة يطلق عليها فقدان الذاكرة المتعلق بالطفولة Infantile Amnesia) وتم سؤالهم على تذكر 3 أشياء يعتقد أنها من أوائل الأحداث التي يتذكرونها ثم تم سؤالهم بعد سنتين مرة أخرى وتم سؤالهم أيضا متى حدثت تلك الأحداث بتأكيد من الوالدين أنها حدثت؟ وكم كان عمر الطفل تحديدا؟ وكانت النتيجة أن الأطفال من عمر 4 إلى عمر 7 سنوات لم يسترجعوا الأحداث بشكلها الكامل في المرة الثانية، وهو ما يشير بالضرورة إلى أن ذاكرة قبل عمر 7 سنوات لا تكون بالحدة الكافية ويمكن فقد كثير من المعلومات وبالنسبة للأطفال من عمر10 إلى 13 عاما كان ثلث هؤلاء الأطفال في هذه الفئة العمرية قادرين على استدعاء الأحداث بشكل متطابق، وتأتى هذه النتيجة لتوضح أن ذاكرة الفترة المتأخرة من الطفولة يمكن أن تحل محل ذاكره الفترة المبكرة من الطفولة وأن الذكريات المرتبطة بالفترات المبكرة من الحياة يمكن أن تكون ناتجة من سماع الذكريات أكثر منها تذكرها بالفعل ويحتاج الأمر بالطبع إلى المزيد من الدراسات لرصد كل ما يتعلق بالذاكرة خاصة في مجالات مثل التعليم ومثل النواحي القانونية أيضا المتعلقة باعتماد شهادة الأطفال في سن معينة من عدمه.