تُصنَّف الألعاب و التسالي بصورة عامة من حيث الحكم الشرعي إلى أربعة أصناف :
الصنف الاول : اللعب برِهان بالآلات المُعَدَّة للمقامرة .
الصنف الثاني : اللعب بغير رِهان بالآلات المُعَدَّة للمقامرة .
الصنف الثالث : اللعب بآلات غير مخصصة للقمار لكن برِهان .
الصنف الرابع : اللعب بآلات غير مخصصة للقمار بغير رِهان .
حكم الصنف الأول :
أما الصنف الأول و هو اللعب برِهان بالآلات المُعَدَّة للمقامرة كاللعب بالشِّطْرَنْج [1] و كذلك بسائر الآلات المعدَّة للقِمار كالطاولي و النَّرْد [2] و الورق و غيرها إذا كان برِهانٍ و عِوَضٍ فهو حرامٌ قطعاً و بإجماع جميع العلماء و ذلك لدخول هذا النوع من اللعب تحت عنوان القِمار الذي هو الميسر [3] حسب التعبير القرآني و الذي أمرنا الله عزَّ و جَلَّ بإجتنابه و عَدَّه إثماً و رِجساً ، و الدليل على حرمته من القرآن الكريم هو :
1. قول الله عزَّ و جَلَّ : ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾[4] .
2. قوله عزَّ من قائل : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ﴾[5] .
و الأحاديث المروية عن المعصومين ( عليهم السَّلام ) و التي تُصرِّح بكون الشطرنج من جملة الميسر و الرجس كثيرة نُشير إلى عدد منها :
1. رَوى أبو بصير عَنْ الإمام أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصادقِ ( عليه السَّلام ) أنه قَالَ : قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السَّلام ) : " الشِّطْرَنْجُ و النَّرْدُ هُمَا الْمَيْسِرُ " [6] .
2. عَنْ مُعَمَّرِ بْنِ خَلَّادٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ ( عليه السَّلام ) قَالَ : " النَّرْدُ و الشِّطْرَنْجُ و الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ بِمَنْزِلَةٍ واحِدَةٍ ، و كُلُّ مَا قُومِرَ عَلَيْهِ فَهُوَ مَيْسِرٌ " [7] .
3. عَنْ زَيْدٍ الشَّحَّامِ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السَّلام ) عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ و جَلَّ ﴿ ... فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴾[8] ، فَقَالَ : " الرِّجْسُ مِنَ الْأَوْثَانِ " الشِّطْرَنْجُ ... [9] .
4. عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ الْقُمِّيِّ ، قَالَ : كُنْتُ أَنَا و إِدْرِيسُ أَخِي عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السَّلام ) فَقَالَ إِدْرِيسُ جَعَلَنَا اللَّهُ فِدَاكَ مَا الْمَيْسِرُ ؟
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السَّلام ) : هِيَ الشِّطْرَنْجُ .
قَالَ فَقُلْتُ : أَمَا إِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّهَا النَّرْدُ .
قَالَ : و النَّرْدُ أَيْضاً [10] .
5. و عن فِقْهِ الرِّضَا ، ( عليه السَّلام ) : " و اعْلَمْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ و تَعَالَى نَهَى عَنْ جَمِيعِ الْقِمَارِ و أَمَرَ الْعِبَادَ بِالِاجْتِنَابِ مِنْهَا و سَمَّاهَا رِجْساً فَقَالَ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ مِثْلُ اللَّعْبِ بِالشِّطْرَنْجِ و النَّرْدِ و غَيْرِهِمَا مِنَ الْقِمَارِ و النَّرْدُ أَشَرُّ مِنَ الشِّطْرَنْجِ " [11] .
حكم الصنف الثاني :
أما الصنف الثاني و هو اللعب بغير رِهان بالآلات المُعَدَّة للمقامرة و هو أيضاً حرام بإجماع العلماء ، حيث أن الكثير من الروايات تنهى عن ذلك بصورة عامة من دون ذكر الرِهان ، فيتبين أن استعمال الآلات المخصصة للقمار حرام سوى كان اللعب برهان أم لا ، و من جملة هذه الأحاديث :
1. رَوى السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السَّلام ) قَالَ : " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ( صلَّى الله عليه و آله ) عَنِ اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ و النَّرْدِ " [12] .
2. عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السَّلام ) عَنِ اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ ؟
فَقَالَ : " الشِّطْرَنْجُ مِنَ الْبَاطِلِ " [13] .
3. عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى قَالَ دَخَلَ رَجُلٌ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ [14] ( عليه السَّلام ) فَقَالَ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّي أَقْعُدُ مَعَ قَوْمٍ يَلْعَبُونَ بِالشِّطْرَنْجِ و لَسْتُ أَلْعَبُ بِهَا و لَكِنْ أَنْظُرُ .
فَقَالَ : " مَا لَكَ و لِمَجْلِسٍ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِهِ " [15] .
حكم الصنف الثالث :
و أما الصنف الثالث أي اللعب بآلات غير مخصصة للقمار لكن برِهان كالمراهنة على حمل الوزن الثقيل ، أو على المصارعة أو على القفز أو نحو ذلك و هو حرام أيضاً بإجماع الفقهاء لكونه من مصاديق القمار و الميسر المنهي عنه التي دلَّت الآيات و الأحاديث المذكورة في الصنف الأول على حرمته .
حكم الصنف الرابع :
و أما الصنف الرابع أي اللعب بآلات غير مخصصة للقمار بغير رِهان فهو جائز و حلال بحدِّ ذاته إذا لم يشتمل على مُحَرَّمٍ آخر .
و لا فرق من حيث الحكم الشرعي ـ بالنسبة إلى اللعب بهذه الأصناف الأربعة ـ بين أن يكون اللعب بالآلات مباشرة أو بواسطة الكمبيوتر أو غيره من الأجهزة إذا صدق عليه عنوان اللعب بتلك الآلات .
لكن ينبغي التنبيه على أمر و هو ما أثاره بعض الفقهاء بالنسبة إلى الشطرنج و هو أنه لو لم يعُد الشطرنج أداةً للقمار و لم يُستعمل بهذا الغرض أبداً في العالم ، كما لو أصبح اللعب بهذه الآلات بغرض التنشيط الفكري فقط و لم يعد من آلات القمار ، فان الحكم الشرعي سيتغير بتغير الموضوع .
لكن كثيراً من الفقهاء لا يوافقون على هذا الرأي نظراً للنصوص الصريحة المذكورة ، و على أي حال فلابد للمقلد أن يراجع فتوى الفقيه الذي يُقلده في هذه المسائل .
لكن ينبغي أن نذكِّر الإخوة المؤمنين و الأخوات المؤمنات بأن اللعب بالشطرنج بالذات ـ بغض النظر عن آراء الفقهاء فيه ـ هو مما ينبغي الإبتعاد عنه لذمِّه في الكثير من الأحاديث ، و يكفينا منها ما رُويَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ قَالَ سَمِعْتُ الرِّضَا ( عليه السَّلام ) يَقُولُ : " لَمَّا حُمِلَ رَأْسُ الْحُسَيْنِ ( عليه السَّلام ) إِلَى الشَّامِ أَمَرَ يَزِيدُ لَعَنَهُ اللَّهُ فَوُضِعَ و نُصِبَ عَلَيْهِ مَائِدَةٌ فَأَقْبَلَ هُوَ و أَصْحَابُهُ يَأْكُلُونَ و يَشْرَبُونَ الْفُقَّاعَ فَلَمَّا فَرَغُوا أَمَرَ بِالرَّأْسِ فَوُضِعَ فِي طَسْتٍ تَحْتَ سَرِيرَةٍ و بُسِطَ عَلَيْهِ رُقْعَةُ الشِّطْرَنْجِ و جَلَسَ يَزِيدُ لَعَنَهُ اللَّهُ يَلْعَبُ بِالشِّطْرَنْجِ و يَذْكُرُ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ و أَبَاهُ و جَدَّهُ ( عليهم السَّلام ) و يَسْتَهْزِئُ بِذِكْرِهِمْ فَمَتَى قَامَرَ صَاحِبَهُ تَنَاوَلَ الْفُقَّاعَ فَشَرِبَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ صَبَّ فَضْلَتَهُ عَلَى مَا يَلِي الطَّسْتَ مِنَ الْأَرْضِ فَمَنْ كَانَ مِنْ شِيعَتِنَا فَلْيَتَوَرَّعْ عَنْ شُرْبِ الْفُقَّاعِ و اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ و مَنْ نَظَرَ إِلَى الْفُقَّاعِ أَوْ إِلَى الشِّطْرَنْجِ فَلْيَذْكُرِ الْحُسَيْنَ ( عليه السَّلام ) و لْيَلْعَنْ يَزِيدَ و آلَ زِيَادٍ يَمْحُو اللَّهُ عَزَّ و جَلَّ بِذَلِكَ ذُنُوبَهُ و لَوْ كَانَتْ بِعَدَدِ النُّجُومِ " [16] .
حكمة تحريم القمار :
و هنا لابد و أن نذكِّر بأن الإسلام حرَّم القمار بأنواعه نظراً لما فيه من المفاسد و المضار الاجتماعية و الاقتصادية الخطيرة و حذَّر منه و أعتبره عمل شيطاني لابد من الابتعاد عنه .
و لقد أشار القرآن الكريم إلى الحكمة من تحريمه حيث قال : ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾[17] .
و حيث قال عزَّ من قائل : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ﴾[18] .
و الإسلام ليس هو الوحيد الذي حرم المقامرة ، فالرومان مثلاً منعوا الناس من التقامر لمَّا أحسوا بانه يضر بالنشاط العسكري ، و في عام 1541 الميلادي صدر في إنكلترا قانون حرم النرد و ألعاب الورق على اختلافها , ثم تعاقبت القوانين التي تحظر القمار في مختلف بلدان العالم ، لكن كل ذلك لم يمنع حتى الآن من انتشار القمار مع الأسف رغم معرفة مضاره و أخطاره ، بل ازدهرت في مطلع القرن العشرين مقامرة من نوع جديد هي المقامرة على الخيل في ميادين السباق .
و مما يثير العجب أن هناك مراكز رسمية و عالمية للمقامرة ، و تعتبر " مونتي كارلو " و " لاس فيغاس " من أهم المراكز بل أكبر مركزين للقمار في العالم .
وفقنا الله واياكم لعمل الخير وجنبنا الله واياكم المعاصي والذنوب واسكننا فسيح جنانه