بسم الله الرحمن الرحيم
من الأشياء التي تنافس السلوك الروحي للإنسان وتصادر ممتلكاته المعنوية همُّ الرزق . كثيرون منا عندما يفكر في همِّ الرزق ومستقبل حياته المادية فهذا التفكير
- في كثير من الأوقات - مدعاة للجشع والحرص والقلق واستعجال الرزق وحتى الالتفاف حول الحلال والحرام لكي يرفع رصيده في البنوك .
القرآن الكريم يطرح هذه المشكلة في سورة الجمعة : (( وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً قُلْ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ ٱللَّهْوِ وَمِنَ ٱلتِّجَارَةِ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ- سورة الجمعة 11 ))
نلاحظ أن الذي صَدَّ الصحابة عن الاستماع لخطبة الرسول (ص) التجارة واللهو . هذ الموقف عندما نتأمله المكان المسجد النبوي ،
الخطيب هو رسول الله الذي لاينطق عن الهوى ، ما هو هذا المستوى المتدني للمسلمين ؟...
حيث يُترك رسولُ الله (ص) قائما ولم يبق في المسجد إلا القليل من المسلمين ، والأغلبية انفضوا إلى التجارة واللهو .
معنى ذلك أن اللهو والتجارة نِدٌّ لاستماع خطبة الرسول (ص) وللهدى بشكل عام .
إن سورة الجمعة لا تعرض قضية تاريخية محضة علينا أن نتأمل .
هذه الآيات من سورة الجمعة في مقام بيان صراع بين تجارتين : تجارة مع الله تعالى وتجارة الأسواق ،
وهذا الصراع قائم منذ القدم وإلى يومنا هذا . ما الذي يَصدُّ عن ذكر الله عزوجل ؟ ما الذي يفرِّغ المساجدَ من المصلين ؟
ما الذي يقلبُ الإنسان رأسا على عقب من شهر رمضان إلى شهر شوال ؟ ...
شهر رمضان شهر القرآن والدعاء إلى شهر شوال هذا الشهر الذي ظلمناه ، تنقلب الموازين تماما بعد شهر رمضان .
الناس يُعَامِلون شهرَ رمضان كما عامل المسلمون النبي (ص) في سورة الجمعة ،
فالناس إذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها بعد شهر رمضان ..من مشاكل الإنسان في طريق الهدى هم الرزق وخطبة اليوم
فقر الإنسان إلى الله :
القرآن يحكم على الإنسان بأنه فقير ، حتى السلطان والأمير والحاكم هؤلاء أخرجهم اللهُ من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئا ،
(( وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ – النحل 78))
إذا أراد هذا الطفل الماء والحليب يبكي كما تبكي أيُ دابةٍ من دواب الأرض (( يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ – فاطر 15 ))
هذا هو المبدأ الأول الذي يتوجب علينا الإيمان به أن الناس كلهم فقراء والله هو الغني ،
مع الأسف أنََّ غالبيتنا لا يؤمن بالقرآن في مقام العمل ، هذا الغني ... هذا الحاكم من أين جاء بما لديه ؟
هل هو من ذاته ؟ لو كان كذلك لبقي عنده إلى أبد الآبدين بل يخرج من الدنيا بكفن رخيص ...
قبل أن يأتي إلى الدنيا يأتي فقيرا وعندما يذهب يذهب فقيرا ، يقول تعالى : (( وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ- سورة الأنعام 94 )) ،
إذا آمنا بهذه الحقيقة هل تبقى ذرة شك في ضرورة الالتجاء لهذا المنبع الأبدي للغنى ،
يجب أن نتصل بالغني المطلق الذي (( أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً – النحل 78 ))
((هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً - الإنسان 1 ))
أوَ بعد ذلك هل من العقل والمنطق أن يكون الإنسان له هذا الجفاء مع الغني المطلق ؟...
يقول تعالى عن موسى (ع) في آية أخرى : ((وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمْرَأَتَينِ تَذُودَانِ
قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرِّعَآءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ(23) فَسَقَىٰ لَهُمَا ٌ ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى ٱلظِّلِّ – القصص 24 ))
روي عن الامام علي (ع) في شأن النبي موسى (ع) : ( ما طلب إلا خبزا يأكله )
موسى (ع) كليم الله عندما يحتاج إلى خبز يقول : ((رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ - القصص24 ))
يبدي افتقاره لرب العالمين ، ونحن في أمورنا العادية وكأننا لا نحتاج لرب العالمين ، رغم أن الأدب مع رب العالمين يقتضي أن نطلب منه كل شيء ،
فقد ورد في الروايات: ( يا موسي، سلنى كلّ ما تحتاج إليه، حتى علف شاتك و ملح عجينك) .
شكر النعمة :
يقول تعالى : (( كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَٱشْكُرُواْ لَهُ – سبأ 15 )) الله سبحانه وتعالى لم يحرم الرزق علينا ،
ولولا قدرة الله في الخلق لم نأكل هذه الأنواع المختلفة من الطيبات ،
يقول عزوجل : ((ءَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ ٱلزَّارِعُونَ – الواقعة 64 )) هو الذي زرع ... هو الذي أنبت ...
هو الذي أخرج النبات من ماء واحد وتربة واحدة ... كل ذلك متاعا لكم ...
ولكن اشكروا له .(( يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ – المؤمنون 51 )) الله لم يحرم الرزق ...
وليس من الانصاف أن تأكل رزق رب العالمين ولا تعمل صالحا . إن الرزق الحلال مباح ولكن يجب أن يحول إلى طاقة لشكر الله .
الإثنين فبراير 07, 2011 7:59 pm من طرف بنت الأوادم